جرت عادة الباحثين في رسالة الإسلام أن يقسموه إلى شعب أربع: عقائد، وعبادات، ومعاملات، وأخلاق. وربما أوهم تأخير شعبة الأخلاق أنها آخر ما يهتم به الإسلام، وأنها لا ترقى إلى مستوى الشُّعب الأخرى. والحقيقة التي تتجلى لمن يتدبر الإسلام في آيات كتابه وسنة نبيه، ويتأمل نصوصها وروحها، أن الإسلام في جوهره رسالة أخلاقية، بكل ما تحمله هذه الكلمة من عمق وشمول، ولا غرو أن تكون "الأخلاقية" خصيصة من خصائصه العامة.
وليس ذلك لمجرد أن الإسلام حث بقوة على الفضائل، وحذر بقوة من الرذائل، ووصل في هذا وذاك إلى أعلى درجات الإلزام، ورتب على ذلك أعظم مراتب الجزاء، ثوابًا وعقابًا، في الدنيا والآخرة.
وليس ذلك أيضًا لمجرد أن الإسلام عُني بالأخلاق عناية بالغة حتى إن القرآن حين أثنى على الرسول لم يجد أبلغ ولا أرفع من قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
وحتى إن الرسول ليلخص الهدف من رسالته فيقول في إيجاز بليغ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ليست الأخلاقية من خصائص الإسلام لمجرد هذا وذاك، ولكن -إضافةً إلى ذلك- لأن الأخلاقية تسري في كيان الإسلام كله، وفي تعاليمه كلها، حتى في العقائد والعبادات والمعاملات، وتدخل في السياسة والاقتصاد، والسلم والحرب.
ا